بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، أما بعد..

1- الإسلام وعقيدة العنف

فإن هذا الموضوع هو حديث الساعة، وقد أصبح يناقش الآن بحدة في العالم بأسره، نظراً لكون بعض السياسيين والأشخاص في عدد من الدول الغربية -كما هو الشأن الآن في هولندا- يتهمون القرآن بالتحريض على العنف!! ونتيجة لذلك بدأ عدد من المسلمين يتساءلون عن مدى صحة هذا الأمر.لذا رأينا إنه من الواجب علينا أن نوضح بعض الجوانب المتعلقة بهذه المسألة، مع ملاحظة أننا نوجه خطابنا هذا للمسلمين بالدرجة الأولى، وهذا الخطاب موجه لكل من يهمه الأمر أو يهتم به.

الإسلام هو دين التسامح، وهذا الدين ينطلق من كون الإنسان أعظم مخلوق على وجه هذه الأرض، فهو يعد الاعتداء على الأبرياء وسلب حقوق الغير من أكبر الذنوب وأعظمها. وفي الآية الكريمة التالية نجد مثالاً على ذلك، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: “مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ”[1] ، فالواقع هو أن المسلم في خدمة الحياة وليس العكس.

وكذلك يجب علينا ألا ننسى القاعدتين الفقهيتين اللتين ثبتهما الإسلام ومنع الاعتداء عليهما:

القاعدة الأولى: ” وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى”[2]، ومعنى ذلك أنه لا يعاقب شخص بسبب ذنب شخص آخر، فالعقوبات والذنوب حسب علم الفقه شخصية ولا تتعدى إلى الآخرين.

القاعدة الثانية: هي قاعدة براءة الذمة، ومعنى ذلك أنه لايمكن رمي أحد بتهمة حتى تثبت إدانته، فليس عدلاً أن يعاقب شخص بسبب تهمة مادام لم يتم إثباتها عليه، فالأصل براءة الذمة ما لم يرد دليل على إشغالها.

وإذا أردنا تمثيل ذلك فنقول: إن أساس الفكر الإسلامي هو مايلي: تصور أنك على مركب أو في منزل، ويوجد معك تسعة أبرياء ومجرم، فأنت في هذه الحال تعلم أنه من الظلم أن يتم إغراق المركب أو إحراق المنزل. ولعلك تصرخ بأعلى صوتك لتثير انتباه الناس إلى أنه من الظلم القيام بهذا العمل، وإذا وجد تسعة مجرمين وبريء واحد فيجب أن يحصل الشيء نفسه، ولا يوجد أي قانون قد يجيز إغراق المركب أو إحراق البيت!!

2- الخلط بين قوانين الحرب وبين قوانين السلم جريمة علمية

قبل سنوات شاركت في مؤتمر بجامعة “تونتى”، وادعى حينها أحد الحاضرين أن القرآن يحرض الناس على العنف، ولتعليل كلامه قرأ الآية الآتية من القرآن الكريم: “فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ” [3] ، ولما انتهى من القراءة رجوته أن يقرأ الآية من البداية فرفض، ثم قرأت الجزء الذي امتنع عن قراءته. فالآية تبدأ هكذا: “وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ … “[4] . فهذا مثال حي لما يقوم به الآن بعض السياسيين والأشخاص الذين يهاجمون الإسلام، فهم ينتقون أجزاء من الآيات التي تناسب هواهم ثم يربطونها بالمواضيع التي يريدون إثارتها.

نقطة مهمة جداً: من المعروف لدى كل الباحثين في القوانين الدولية، أن لكل دولة قواعد قانونية في أوقات الحرب (قانون الحرب) و(أوقات السلم)، وهي تختلف عن بعضها اختلافاً شديداً، فلو خلطت القوانين في أوقات الحرب بالقوانين في أوقات السلم لطبعت الأعمال التي تقوم بها هولندا في أفغانستان بالعنف. و هذا المثال ينطبق على الآيات القرآنية أيضا، فالقرآن الكريم يعد المصدر الأول للتشريع الإسلامي، وهو يشمل آيات نزلت في أوقات الحروب، وآيات نزلت في أوقات السلم، والناس الذين يهاجمون القرآن يقومون بجمع بعض الآيات المتعلقة بأوقات الحرب ويعممونها وكأنها قوانين عامة يتم تطبيقها في كل زمان ومكان!! فالقرآن يشمل في الواقع على 109 آيات فقط، تتعلق بقانون الحرب، مثل القوانين التي نزلت على رسوله صلى الله عليه وسلم خلال المدة التي كان يدافع فيها عن المدينة. وفيما يلي أمثلة على ذلك:

قال الله سبحانه وتعالى: “وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (193)”[5]

فإذا قرأت هذه الآيات وأسقطتها على أوقات السلم فإنك ترتكب إذاً ذلك خطأ كبيراً، ولسوء الحظ هذا ما فعله أحد صحفيي مجلة واشنطن تايمز “كال توماس” وذلك حينما انتقى فقط الجزء الآتي من الآية الواحدة والتسعين والمائة من سورة البقرة: “وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ”، واتهم بالتالي القرآن بالعنف!!

صحيح أن القرآن يشمل 109 آيات حول موضوع الحرب، إلا أن هذه الآيات متعلقة بأوقات بفترات الحرب لا بغيرها، ولا يمكنك أن تعرف معنى تلك الآيات إذا كنت لاتعلم سبب النزول. وإذا كنت لا تعرف أسباب نزول تلك الآيات فإنك ستطبع الأمثلة التي أخذناها من سورة البقرة والتي تخص أوقات الحرب فقط بأنها آيات تحرض على العنف!! وفيما يلي أرقام بعض هذه الآيات: ( 44:2، 216؛ 3: 56، 151؛ 4: 74، 76، 89، 95، 104 ؛ 5: 53 ).

ولسوء الحظ يوجد العديد من السياسيين في العالم الذين ليس لديهم معرفة بالقرآن ولا بالقوانين الإسلامية يستخدمون بعض آيات القرآن التي لها علاقة بزمن الحرب في على أنها دليل على وجود العنف في الإسلام، وهم يقومون بالتعميم والخلط بين القوانين في حالة الحرب على بقية الحالات.

نحن نريد هنا أن نتطرق لبعض الآيات التي تفهم بشكل مناقض تماماً لمعناها الأصلي، في سياقها القرآني، فمثلاً قوله تعالى في سورة محمد: (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ) (آية 4)، هذه الآية تتحدث عن حالة الحرب، إذا تريد مقارنة هذه الآيات مع القانون المعاصر يمكنك أن تقول أن القوانين التي في القرآن هي أحسن من القوانين الوضعية.

وهناك آيات كثيرة عندما لا يتم النظر في معناها بطريقة الجمع بين النصوص، يتغير معناها، وتفهم بطريقة خاطئة، تكون الآية القرآنية نفسها لم تقصده، ولنضرب هنا عدة أمثلة:

أ- آية الأنفال: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39)

هذه السورة تسمى الأنفال، وهذا يعني الغنائم، إذا قرأت أول آية نجدها تقول: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (1)

حتى الطفل الصغير يفهم أن لها علاقة بتقسيم الغنائم.

ب- قوله تعالى في سورة الأنفال: وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ (60)، لا تدل بأي حال على العنف.

فإذا كنت تعتبر تكنولوجيا الحرب والسلاح فتنة وعنف، فالفتنة الكبرى هي وجود أمريكا والدول الأوروبية، لأنهم الدول التي تصنع هذه التكنولوجيا في الحرب، وهذه الآية توحي للمسلمين بأنهم عليهم الاستعداد للحرب، فهذا يعني أن هذه الآية لها علاقة بحالة الحرب. ويا حبذا أن تقوم كل الدول المسلمة يتبعون هذه الآية لكي يؤسسون قوة عظمى كالتي توجد في العالم الغربي.

ت- وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا (89) هذه الآية لها علاقة بالحرب أيضاً .. وأي واحد يقرأ الآية التي تليها، حتى ولو لم يكن له معرفة بالقوانين الشرعية، فإنه سيعلم قطعاً أن هذه الآية تتحدث عن حالة الحرب، وليس حالة السلم.

للنظر إلى الآية الموالية ونقرأها بتمعن: إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىَ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ أَوْ جَآؤُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً (90).

3- إن ديناً يمنع الظلم خلال الحرب كيف يقال إنه دين يحرض على العنف؟

وبالرجوع إلى القوانين المتعلقة بالأوامر والنواهي ولو في أوقات الحرب، وذلك لمعرفة إذا ما كان الإسلام يجوز قتل الشعوب أو يحرض على العنف ضد الناس، نجد أن الأعمال التي تكون في أوقات الحرب تنسقم إلى مايلي:

أ‌- الأعمال المحرمة وهي: القتل الجائر والقتل نتيجة التعذيب، وقتل النساء اللاتي لايشاركن في الحرب، والأطفال، والعبيد، والمعاقين (بدنياً أو نفسياً)، والعجزة، والمرضى، والقسيسين، ويجوز تنفيذ القتل في حق هؤلاء إذا تأكد بالدليل الواضح مشاركتهم في الحرب أو مساعدتهم فيها، سواء أكان ذلك عن طريق تقديم أفكار أو المساندة بالمال.

ومن الأعمال المحرمة أيضا تشويه جسم الإنسان أو الحيوان وذلك بقطع أطرافه، أما أثناء الحرب فمحرم إعطاء العهد أو إبرام الأحلاف، كما يحرم حرق الأشجار والغابات والمحاصيل الزراعية، ولايجوز نهائيا اغتصاب النساء و أيضاً العلاقات الجنسية الخارجة عن نطاق الشرع، وكذلك يحرم قتل الأسرى، كما لا يجوز تشويه بقايا الأجساد أو استئصال بعض أجزائها.

ويحرم في الإسلام أيضاً ارتكاب المذابح، وقتل الآباء والأقرباء، وكذلك التجار الذين كانوا موجودين أثناء الحرب ولا يد لهم فيها. ويمكننا أن نستمر في ذكر محرمات أخرى لكننا نكتفي بهذا القدر. [6]

ب‌- الأعمال التي تعد محرمة في أوقات السلم ولكنها تصبح مباحة في أوقات الحرب يمكننا تقسيمها على مجموعتين:

المجموعة الأولى: وهي الأعمال التي يجوز القيام بها ضد العدو، مثل: القتل أوالجرح أو المطاردة من أجل الحصول على سجناء من جنود العدو الذي يخوض الحرب ضدك، أما الأسرى فلا يجوز قتلهم وقد ذكرنا ذلك من قبل.

وبخصوص الحرب يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “الحرب خدعة”، وانطلاقاً من هذا التعليم النبوي فإنه يجوز التربص بالعدو وخداعه، وذلك للتأثير على نفسيته مما قد يجعله يعتمد سياسة واستراتيجيات خاطئة، والحرب الباردة التي يمكن اعتبارها مرحلة استعدادية للحرب، وذلك كشن حملة إعلامية تضليلية، تعد جائزة أيضاً.

وبالنسبة للأسلحة المستخدمة أثناء الحرب، فيجوز استعمال أنواع الأسلحة جميعها، إلا أن علماء الفقه حرموا استعمال الأسلحة السامة، ويجوز حرق الحصون وقتل العدو غرقاً، كما يجوز الهجوم في الليل أو الهجومات المفاجئة في أوقات الحرب، ويجوز إغلاق منابع الماء أو إفساد الماء الشروب كي لا يستهلكه الأعداء كما حدث في معركة بدر، ويجوز أيضاً إعدام الجواسيس.

وخلاصة القول هو أنه يجوز القيام بالأعمال التي لا يتم النهي عنها في أوقات الحرب، فخوض الحرب بحر وجواً مثلاً جائز أيضاً[7].

المجموعة الثانية وهي الأعمال المتعلقة ببضائع وأملاك العدو. فالفقه الإسلامي يحرم في الأصل أعمال التخريب جميعها، سواء أكان ذلك في أوقات السلم أم في أوقات الحرب.

غيرأنه في أوقات الحرب وبسبب الضرورة هناك استثناءات بخصوص هذه القاعدة وذلك كحرق بنايات العدو، وقطع الأشجار، وإتلاف المحاصيل الزراعية[8].

فهل يمكن أن يقال بعد أن تعلم ما مضى أن دين الإسلام الذي وضع حدوداًَ حتى في أوقات الحروب أن÷ تحرض على العنف، أو القتل، أو ارتكاب المذابح، أو قتل الشعوب؟!!

4- معنى كلمة (فتنة) ومدلولاتها

الفتنة: كلمة عربية تعني “صهر المعادن كاذهب والفضة وذلك للفصل بين المعدن الجيد وغيره”، وقد استخدم الله سبحانه وتعالى هذه الكلمة في القرآن الكريم للتمييز بين المؤمنين وبين الكفار، وبين الذين هم على الطريق المستقيم وبين الضالين، وبين الخيرين وبين الأشرار، ولامتحان الناس وتربيتهم حتى يحصل كل فرد على الجزاء الذي يستحقه.

وبمعنى آخر فإن الحياة الدنيوية كلها فتنة وامتحان. يقول الله سبحانه وتعالى: ” كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ” [9] ، وفي آية أخرى: ” وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ”[10] ، وفي سورة أخرى: “أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) “[11] وفي سورة أخرى:” إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15)”[12] .

إلى جانب هذا المعنى لكلمة (فتنة) والتي تستعمل عموما كمرادف لامتحان، سنقف قليلاً على معناها الآخر الأكثر عمقاً، وهو معنى يفهم من هذه الكلمة في بعض السياقات، وهو “الإيقاع بين الناس والإخلال بالنظام ” ، ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: “… وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ…” [13] و “…وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ… “[14] .

فإشاعة الاضطراب بين الناس، وإرباكهم، وتحريضهم على العنف أو التطرف من خلال طرح المواضيع الخلافية أو النقاشات التي لا يرجى منها أية فائدة أو نفع يعد نوعا من أنواع الفتنة النفسية.

والآية الآتية من القرآن الكريم تشير إلى ذلك: “… فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ ” [15]

وهناك معنى آخر للفتنة وهو أن تكون لعبة في أيادي القادة الظالمين وأن تعاني تحت سلطتهم، كما في قوله تعالى: ” … رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86) ” [16]

5- كل الأديان تقبل يوم الحساب والعذاب لغير المؤمنين:

يقول يوحنا بولس – مثلاً في رسالة موجهة إلى الرمانيين (Rom. 11:32) ” الله جمع الناس كلهم الذين لم يكونوا يتبعونه، لكي يعذبهم”، وبحسب الإصحاح الأخير فهو “العذاب الأبدي”

وبهذا فإن الإصحاح الأخير يقرر بأنه إذا كان العذاب الأخير هو الذي لا رجعة فيه، فهو أبدي.

وكذلك في الإسلام ينتظر الإنسان الثواب أو العقاب في نهاية الامتحان.

فالذين قاموا بالأفعال الحسنة، وكذلك آمنوا بالله تعالى سيدخلون في رحمة الله وسيجازون بجنة أبدية.

أما الذين لا يؤمنون بالله، ويقومون بأشياء منافية للدين، والذين يتعدون حدود الله تعالى -بعكس الفئة الأولى- فإنهم يستحقون النار، وهي تكون عقاباً أبدياًأيضاً.

بعض الذين لا يعرفون العلوم الإسلامية والحقائق التي قررها القرآن، يقرأون بعض الآيات من القرآن الكريم، التي لها علاقة بالعقاب الأبدي، ويرون في ذلك بأن القرآن كتاب يحتوي على العنف ضد الإنسانية!!

هذا الفهم الخاطئ جاء بسبب عدم معرفة الكتب السماوية، وبهذا يكون هذا تجريحاً في حق كل الكتب السماوية.

مثلاً قولُه تعالى في النساء: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56).

هذه العقوبات في الحقيقة هي مطابقة لقانون العدل الإلهي؛ لأن الإنسان خُلِقَ في هذه الحياة لغاية، ولم يخلق ليكون هملاً.

وفي آية أخرى يقول الله سبحانه: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) (سورة المؤمنون).

في نظر الإسلام العقوبات القاسية لا تتعارض مع صفات الله تعالى المتمثلة في الرحمة والعدل والحكمة؛ وذلك لأن العفو عن الطاغية الذي تعدى على الآلاف من أرواح الأبرياء ، والحيوان المتوحش الذي يتعدلى على مئات من الطيور البرئية، يعتبر مخالفاً للعدل. وفي حالة عدم عقاب هؤلاء يكون أسؤأ بكثير من العفو، ولا يمكن المقارنة بين ما فعله هذا الجائر والعقاب الأخروي، ويكون ذلك شهادة ضدنا بعدم الاعتراف بآلاف الأرواح وأنها لا قيمة لها.

ومن الطبيعي أنه لو وجد حاكم في مدينة ليس فيها سجن، ووجد فيها من يخرج على القانون وهو يجرم في حق الناس، ويستزئ بهم ويسبهم، ويقول للحاكم: إنك لا تستطيع عقوبتي!! فسيكون من أوليات أموره أن يقوم ببناء السجن.

وفي الختام نستنتج أن أولئك الذين يطبعون القرآن والإسلام بطابع العنف إنما يفعلون ذلك لأنهم عدوانيون اتجاه القرآن والمسلمين أو لجهلهم أو بسبب عدم توازنهم العقلي. وواجبنا أن نرد على ذلك بلغة العلم والعقل، وأحيانا يكون التحاشي وعدم إعطاء الأمر أهمية كبرى أفضل جواب. كما جاء ذلك في المثل العربي القائل:

لو أنَّ كلَّ كلبٍ عوى ألقمته حجراً .. لأصبح الصخر مثقالاً بدينار

——————————————————————————–

[1] – المائدة: 5/32

[2] – الأنعام: 6/164

[3] – التوبة: 9/12

[4] – التوبة: 9/12

[5] – البقرة: 2/190-193

[6] Mevkufati, I/343; Damad, I/643 vd.; Hamidullah, 318-327.

[7] Mevkufatî, I/342-343; Damad, I/643-644; Hamidullah, 344-360; Turnagil, 216 vd.

[8] Mevkufatî, I/342, Turnagil, 218-219; Damad, I/643.

[9] – الأنبياء: 21/35

[10] – الأنبياء: 21/111

[11] – العنكبوت: 29/2-3

[12] – التغابن: 64/15

[13] – البقرة: 2/191

[14] – البقرة: 2/193

[15] – آل عمران: 3/7

[16] – يونس: 10/85-86

Comments are closed.